صحافة ورأي

كيف امكن لأوروبا تحويل الإسلاموفوبيا إلى أسطورة خطيرة

اعتبر باحثان في جامعة جورج تاون الأميركية أن السنوات الأخيرة شهدت “حربا ثقافية” ضد دراسات الإسلاموفوبيا في دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا والنمسا، حيث أنكرت الحكومات والأحزاب السياسية ومفكرون في هذه البلدان وجود مشكلة رهاب الإسلام لديهم أو في تعامل مجتمعاتهم مع الأقليات المسلمة.

وذكر الباحثان في الدراسات الإسلامية والعلوم السياسية جون إسبوزيتو وفريد حافظ -في مقال لهما بموقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) الإخباري البريطاني- أنه على مدى العقدين الماضيين برزت دراسات الإسلاموفوبيا بشكل متزايد كمجال أكاديمي فرعي يوثق ويتحدى العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية والعنف ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم.

وقد تناولت كتب ومجلات ومنتديات وتقارير إعلامية واستطلاعات رأي رئيسية أسباب وتأثيرات الإسلاموفوبيا، ومع ذلك ما زالت حكومات أوروبية عدة تحاول جاهدة إنكار وجوده هذه الظاهرة من الأساس، ففي فرنسا مثلا لا تقبل الحكومة ومؤيدوها الدراسة النقدية والنقاش في إطار مجال دراسات الإسلاموفوبيا الناشئ، معتبرين أن هذا الإطار الفكري مسؤول عن خلق والترويج لفجوة اجتماعية خطيرة داخل المجتمع.

عنصرية خيالية

ويرى الفيلسوف الفرنسي المعاصر باسكال بروكنر -في كتابه “عنصرية خيالية.. الإسلاموفوبيا والشعور بالذنب”- أن الإسلاموفوبيا محض افتراء يستخدمه الإسلاميون كسلاح للترهيب الجماعي، ويخلص إلى أن مناهضي العنصرية أصبحوا هم أنفسهم عنصريين، داعيا للدفاع عن “القيم الغربية” في وجه هؤلاء.

ويعتقد كاتبا المقال أن هذا النوع من الخطاب المعادي للإسلام تم توظيفه من قبل حكومات أوروبية وساسة آخرين لإسكات أي صوت ناقد لسياساتهم الاستيعابية ضد الجاليات المسلمة.

ففي ألمانيا، أصدر الحزبان المسيحيان المحافظان الحاكمان (حزبا الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي) مؤخرا بيانا أشار إلى تصريح لعميد معهد الدراسات الإسلامية في جامعة مونستر الألمانية مهند خورشيد الذي قال إن “مصطلحات مثل الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد المسلمين أصبحت مصطلحات قتالية للإسلام السياسي”، وأكدت رسالة مفتوحة سبقت البيان على أهمية “عدم الخضوع لاتهامات لا أساس لها بالإسلاموفوبيا”.

وذكر الكاتبان أنه انطلاقا من هذا الموقف المناهض لدراسة الإسلاموفوبيا والوعي بوجودها يعتبر السياسيون في النمسا وألمانيا وفرنسا “الإسلام السياسي” أو “الانفصالية الإسلامية” أو “الإسلاموية” أكبر تهديد يواجه المجتمع الأوروبي، مما سمح للزعماء السياسيين بتبرير إجراءات صارمة على بعض المواطنين بزعم أنهم يشكلون خطرا على المجتمع.

تقويض للحريات

ونتيجة لذلك شُنت حملات دهم واعتقال استهدفت منظمات مجتمع مدني إسلامية ومساجد باسم حماية الدولة، مع أن سياسات كهذه تقوض في واقع الأمر حريات أساسية يحميها الدستور، مثل حرية الدين والمعتقد والتعبير والفكر.

ومن الأمثلة الحديثة على التداعيات الخطيرة لهذه “الحرب الثقافية” -يضيف الكاتبان- حملة دهم استهدفت 30 إرهابيا مزعوما بالنمسا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأعلن وزير الداخلية كارل نيهامر أن الهدف منها “استئصال جذور الإسلام السياسي”، لكن عندما تم استجواب المشتبه بهم في وقت لاحق طُرحت عليهم أسئلة لا تمت للعنف بصلة، بل تعكس تأثرا واضحا بالمنظور الغربي للإسلام.

وشمل التحقيق أسئلة مثل: ماذا تفهم من مصطلح “الإسلاموفوبيا”؟ برأيك، هل هذا المصطلح مبرر؟ هل المسلمون مكبوتون في النمسا؟ هل توقظ زوجتك للصلاة فجرا؟ هل تسمح لأطفالك بسماع الموسيقى؟ هل يجوز لابنتك أن تتزوج مسيحيا أو يهوديا أو ملحدا؟ مما يكشف -وفق الكاتبين- إلى أي مدى أصبحت ظاهرة الإسلاموفوبيا مصطلحا “إشكاليا” بالنسبة للسلطات الأوروبية في ظل استمرار قمع المفكرين النقاد والمجتمع المدني المسلم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى