منذ أيام يطرح آلاف العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي سؤالا واحدا هو.. “من قتلني؟” ضمن أحدث حملة تهدف إلى القضاء على ثقافة “الإفلات من العقاب”، و”تحديد القتلة وتشخيصهم”.
أفلتوا من العقاب
وفقا لأحدث تقارير بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) فإن هناك 48 حادثة أو محاولة اغتيال موثقة في العراق منذ الأول من أكتوبر 2019 وإلى الخامس عشر من مايو عام 2021. كل تلك الحوادث والمحاولات مرت بدون “أي عقاب” لمنفذيها.
وقال تقرير يونامي الذي صدر، الأحد، إن حوادث إطلاق النار التي يقوم بها “عناصر مسلحة مجهولة الهوية”، أسفرت عن وفاة ما لا يقل عن 32 شخصا وإصابة 21 آخرين.
وشهدت تلك الحوادث “اعتقالات”، لكن أيا منها “لم يتجاوز المرحلة التحقيقية”، مما يسمح للعناصر المسلحة المجهولة الهوية أن “تفلح في الإفلات من العقاب”.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول التقرير، هناك ما لا يقل عن 20 متظاهرا ممن اختطفتهم “عناصر مسلحة مجهولة الهوية” مفقودين “بدون أي جهد واضح لمعرفة مكانهم، وإطلاق سراحهم، أو الإقرار بمصيرهم”.
كما لم تعلن أية معلومات بخصوص ملابسات الهجمات التي تنسب إلى عناصر مسلحة مجهولة الهوية، بما في ذلك المعلومات عن هوية المسؤولين عن تلك الهجمات.
وقالت البعثة إنها ترى أن “الحكومة لم تتمكن من “احترام حقوق العديد من الضحايا وعوائلهم في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والإنصاف”، كما إن هناك “عدم قدرة ملحوظا” للحكومة على “الضمان الكامل للحق في الحياة أو في الوفاء بالتزاماتها في حماية كافة الأشخاص من الاختفاء القسري”.
رغم مرور سنة
ويقول المحامي العراقي، مرتضى ستار، لموقع “الحرة” إن “اثنين من موكليه أصيبوا في التظاهرات برصاص قوات الأمن، لكن الإجراءات القضائية لم تكتمل على الرغم من مرور سنة كاملة على الإصابة”.
ويضيف ستار، الذي عرف بتوليه الدفاع عن المحتجين في بغداد إن “الأجهزة الحكومية العراقية تتعامل مع قضايا التظاهرات ببرود – في أحسن الأحوال – مما يضيف إلى الروتين الحكومي تعطيلا آخر”، مشيرا لموقع “الحرة” أن “التوثيق الذي تقوم به الأجهزة القضائية يكتب بلغة حريصة على عدم اتهام أحد”.
الحكومة اقتصرت على الشجب
وبنبرة انتقاد واضحة قالت يونامي إن “استجابة السلطات العراقية للجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن العراقية و”العناصر المسلحة المجهولة الهوية” بحق المتظاهرين والمنتقدين للفترة الممتدة من أكتوبر 2019 الى مايو 2021 اقتصرت بشكل كبير “على بيانات شجب وتشكيل هيئات ولجان تحقيقية من دون تحقيق نتائج واضحة ونقل المسؤولين الأمنيين وغيرهم من المسؤولين”.
وأضافت أنه “على الرغم من الشروع بعدد كبير من التحقيقات فيما يتعلق بالعنف المرتبط بالتظاهرات، يبدو أن قضيتين فقط تتصلان بالجرائم المرتكبة ضد المتظاهرين قد وصلتا إلى مرحلة المحاكمة والإدانة، ولا تتعلق أية من القضيتين بالعناصر المسلحة مجهولة الهوية، ولكنهما ركزتا على منتسبين من ذوي الرتب الدنيا في قوات الشرطة”.
تهديد الميليشيات
ونقل تقرير الأمم المتحدة عن محام عراقي قوله إن المحامين “يرفضون مجرد لمس أي شيء يتعلق بقضايا الميليشيات لأن ذلك سيعرض حياتهم للخطر”.
ويقول منصور سعدون، وهم محام عراقي إن “المحامين هم الحلقة الأضعف في الموضوع، خاصة وأن الأهل يتعرضون لضغوط للتنازل عن قضاياهم”.
ويضيف سعدون لموقع “الحرة” إن “المحامين يبتعدون عن القضايا الشائكة التي يمكن أن تضرهم شخصيا”.
ونقل تقرير الأمم المتحدة عن محام آخر قوله إن “استراتيجيتنا هي التركيز على الانتهاكات ضد المتظاهرين من قبل قوات الأمن” بدلا من الميليشيا.
لكن حتى هذا، بحسب المحامي السعدون “ليس آمنا جدا”.
ويقول ناشط عراقي قتل شقيقه المتظاهر في مدينة العمارة الجنوبية بمحافظة ميسان إن “القوات الأمنية، والعشائر، والأمم المتحدة، وحتى أطفال المدارس يعرفون من هم القتلة، لكن لا أحدا يسمي أحدا باسمه”.
ويضيف الناشط الذي طلب عدم كشف اسمه لموقع “الحرة” إن “الميليشيا قتلت أخاه لأنه كان صوتا بارزا، ثم قتلت متظاهرا بارزا آخر فسيطرت على المحافظة، وما يزال القتلة يتجولون بحرية”.
أعداد هائلة.. معلومات غامضة
وبحسب تقرير يونامي فإن السلطات القضائية العراقية حققت في 8163 قضية لا يزال 3897 منها قيد التحقيق، و 783 قضية أحيلت إلى محاكم جنائية أو ” محاكم متخصصة ”، و 37 منها أحيلت إلى محاكم جنح، وأغلقت 1122 قضية.
ويقول التقرير إن 451 قضية على الأقل نسبت إلى “جناة مجهولين” لكن الأمم المتحدة تشير إلى أن المعلومات التي قدمها مجلس القضاء الأعلى العراقي تجمع القضايا المرفوعة من قبل المحتجين، والقضايا التي رفعت ضدهم والتي تشمل أحيانا الحرق وحرق الإطارات وتكسير المحال وغيرها، من دون أن تتوفر لديها معلومات عن أعداد القضايا المرفوعة من النوعين.
ويقول الخبير القانوني العراقي، سمير منتصر، إن “قضايا الاغتيالات لا تحتسب عادة ضمن القضايا المرتبطة بالتظاهرات”.
ويضيف منتصر لموقع “الحرة” أن “قضايا التهديد والاختطاف والتغييب والاغتيال والتفجيرات وغيرها تؤخذ بصورة منفصلة، وليس من ضمن ملف واحد متعلق بالاحتجاجات على الرغم من تشكيل عدة هيئات قضائية متخصصة بالموضوع”.
ويقول قاض عراقي تحدث لموقع “الحرة” إن “القضايا التي تخص انتهاكات القوات الأمنية معقدة، لكن القضايا التي تخص الميليشيات تهدد حياة الفريق القضائي ككل”.
وأضاف القاضي الذي طلب عدم كشف اسمه إن “القضاة مكبلون بنتائج تحقيقات الشرطة، وهذه تكون عرضة لضغوط الجماعات المسلحة بشكل أكبر، مما يجعل أغلب القضايا تكون بدون أدلة كافية”.
ويقول القاضي: “لكن في قضايا محددة، مثل قضية اغتيال هشام الهاشمي، يمتلك القضاء الأوراق الكافية لإقامة قضية والتحقيقات تشير بوضوح إلى القتلة والمحرضين، لكن أوامر الاعتقال لم تصدر بعد، لسبب مجهول”.
وشكلت الحكومتان العراقيتان الأخيرتان عدة لجان قضائية متخصصة للبحث في أحداث العنف التي رافقت التظاهرات وأعمال الاغتيال التي تلتها، لكن “لا توجد نتائج واضحة” لتحقيقات تلك اللجان، بحسب تقرير الأمم المتحدة.
مع هذا، اعتقلت الحكومة العراقية، الأربعاء الماضي، – بعد الفترة التي يغطيها التقرير – القيادي في الحشد الشعبي، قاسم مصلح، وأصدرت عدة أوامر اعتقال لعناصر في “أمن العتبات”.
ويعتقد أن هذه الاعتقالات مرتبطة بملف اغتيال الناشطين في كربلاء، لكن تنفيذها كاد أن يؤدي إلى “مصيبة كبيرة” بحسب المحلل السياسي العراقي، أنس الدليمي.
وإثر الإعلان عن توقيف مصلح الأربعاء، أغلقت المنطقة الخضراء في العاصمة بالكامل بسبب تهديدات من فصائل موالية لإيران. وانتشرت لاحقا قوات مسلحة من الحشد على مداخل المنطقة الخضراء في وسط بغداد، ما أثار مخاوف من تفاقم الوضع.
وانتشرت في المقابل قوات مكافحة الإرهاب داخل المنطقة الخضراء، فيما انتشر الجيش العراقي في مناطق أخرى في العاصمة وقطع بعض الطرقات.
ويقول الدليمي لموقع “الحرة” إن “المعتاد هو أن الهيئات التحقيقية تحقق، ثم لا تنشر التحقيقات التي لا تصل إلى شيء وينتهي الموضوع، لكن اعتقال مصلح غير المعادلة”.
ويقول الناشط العراقي في التظاهرات، أحمد الرسولي، لموقع “الحرة” إنه “لم يلتق بأي هيئة تحقيقية” على الرغم من إصابته الموثقة بتقرير طبي”.
ويضيف الرسولي قوله: “أغفل تقرير الأمم المتحدة أيضا حوادث التعذيب خلال الاعتقال، حوادث الضرب في ساحات التظاهر، العصابات المندسة التي تقوم بترهيب المتظاهرين، وقيام الميليشيات بضربنا في ساحة الصدرين في النجف”.
ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى حوادث مرتبطة بهذه الميليشيات، مثل حادثة الصدرين وحادثة الناصرية، لكن الرسولي يقول “حتى تقرير الأمم المتحدة لم يشمل على تسمية أحد باسمه، ولا يزال القتلة مجهولين لكنهم معلومون، ويبدو أننا لن نعرف أبدا من يقتلنا على الرغم من أننا نعرفه”.