تعمل الميليشيات الموالية لطهران في العراق على اعتماد طرق جديدة لتمويل أنشطتها بعد انقطاع التمويل الإيراني، من خلال استنساخ تجربة نفذها حزب الله اللبناني، ودرت عليه ملايين الدولارات سنويا.
وتتمثل الطرق الجديدة بالاعتماد على مصادر مالية محلية، عبر فتح مكاتب لتوفير قروض ربوية لموظفين ومتقاعدين بتواطؤ مع بنوك محلية وشركات مالية.
وقال تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن هذه الآلية تنتهك الشريعة الإسلامية مما يثير الشكوك بشأن شرعية أيديولوجية هذه الميليشيات، ويسلط الضوء على تصميمها على الاستحاوذ على السلطة.
وجاء في التقرير الذي كتبه الباحث العراقي المتخصص في شؤون المليشيات الشيعية وخلفياتها الفكرية، صادق حسان، أن الميليشيات المدعومة من إيران تحاول تغطية خسائرها المالية من خلال “الإقراض الاحتيالي والربوي”.
عمدت بعض المليشيات مثل “حزب النجباء” وغيرها إلى افتتاح مكاتب لمنح القروض المالية للموظفين والمتقاعدين، ممن يحملون بطاقات الدفع الإلكتروني.
ويشير التقرير إلى أن “القصة تبدأ من إعلانات على شبكات التواصل الاجتماعي، تتضمن دعوة عامة للاقتراض خارج السياقات الإدارية للمصارف الحكومية، وتسمى القروض الفورية، أي إن طالب القرض يستلم المبلغ الذي يطلبه حسب راتبه في نفس يوم طلب القرض وهذا الأمر مغري جدا لمن يحتاج هذا القرض المالي”.
وترشد هذه الإعلانات طالبي القروض عبر الفيسبوك إلى أرقام هواتف، وفي بعض الأحيان ترشدهم إلى أسماء شركات لبيع المواد المنزلية بالتقسيط المريح “كغطاء للعملية الاحتيالية”.
بعدها يقوم طالب القرض بالاتصال، بعد أن يزوده مسؤولو المليشيات بعناوين مكان إجراء المعاملة الاقتراضية، وتجري غالبا داخل مكتب في بنايات أو عمارات معروفة.
يضيف تقرير معهد واشنطن أن هؤلاء المسؤولين يقومون بعدها بأخذ بطاقة “الكي كارد” التابعة لطالب القرض ويرسلونه إلى مكان آخر فيه سجل للموظفين والمتقاعدين المواطنة رواتبهم وفيه جهاز للبصمة.
تستمر العملية أكثر من خمس ساعات، يتم بعدها إرسال الشخص إلى أحد المصارف الأهلية ليستلم المبلغ.
ولاستكمال العملية، يبين التقرير أن “هناك شركة مشهورة تتعامل المليشيات معها وموقعها” في بغداد “وهي الشركة التي تمنح المبالغ بالدولار”.
يستقطع مبلغ كبير في نفس اليوم من مبلغ القرض الممنوح للموظف أو المتقاعد، وكذلك يتم استقطاع مبلغ مالي مرتفع جدا شهريا.
على سبيل المثال، المقترض الذي راتبه 800 ألف دينار عراقي يمنح 2000 دولار (2.9 مليون دينار)، يستقطع منه 300 دولار في نفس اليوم، ثم يؤخذ منه شهريا 400 ألف دينار عراقي لمدة سنة كاملة، أي أن المبلغ المستحصل في النهاية يصل لخمس ملايين تقريبا، وهذا مبلغ باهظ جدا.
هذه الخطوة مطابقة تماما لما يقوم به حزب الله اللبناني منذ عدة سنوات عبر مؤسسة “القرض الحسن” التي تعتبر مصرف الحزب في لبنان، ومصدرا رئيسيا من مصادر تمويله وتبييض أمواله.
يعود افتتاح هذه المؤسسة إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث تم تسجيلها بصفة جمعية خيرية، في حين أنها باتت اليوم تقدم قروضا بنحو 500 مليون دولار لأكثر من 200 ألف مقترض، وتمنح قروضا مالية بالدولار مقابل رهن الذهب، أو وضع مبالغ مماثلة لها بالقيمة.
وكان تقرير سابق نشرته وكالة رويترز في يوليو الماضي تحدث عن قيام طهران بتقليص التمويل الشهري لميليشيات مسلحة بارزة في العراق، بسبب الأزمة المالية الناجمة عن العقوبات المالية الأميركية وجائحة كورونا.
وذكرت رويترز أن تقليص المخصصات المالية أثر على عمليات الجماعات المسلحة واضطرها للبحث عن مصادر تمويل بديلة للعمليات العسكرية والأسلحة مثل مصالحها التجارية الخاصة.
ولا يستغرب الباحث السياسي رعد هاشم من اعتماد المليشيات الموالية لطهران على طرق “ملتوية” ومخالفة للتعاليم الدينية التي تتستر خلفها، وتروج بأنها مدافعة عنها.
يقول هاشم لموقع “الحرة” إن هذه المجموعات “استولت على منازل مسيحيين وأملاك عراقيين في الموصل وبغداد ومدن أخرى، كما تقوم بأخذ أتاوات من مزارعين وتفرض مبالغ مالية على سائقي شاحنات نقل البضائع في المناطق الخاضعة لنفوذها”.
ليس هذا وحسب، بل تؤكد تقارير نشرها موقع الحرة في وقت سابق أن هذه المليشيات توفر نوعا من الحماية مقابل المال يفرضها عناصر في الميليشيات على الملاهي الليلية ودور قمار ومحال بيع مشروبات كحولية في بغداد.
ويرى هاشم أن “الجماعات المدعومة من إيران، وبعد أن أحكمت سيطرتها السياسية والأمنية على العراق اتجهت إلى القطاع الاقتصادي بجميع مفاصله، في محاولة منها لاستنساخ تجربة الحرس الثوري في إيران”.
ويضيف أن “الميليشيات باتت تهيمن على جميع المفاصل الحيوية في البلاد، من السلاح إلى النفط ومن ثم الاقتصاد والمال، وهذا أمر خطير للغاية لأنهم في النهاية قد يبتلعون البلد بأكمله”.
وكان تقرير سابق لموقع “الحرة” أشار إلى أن الميليشيات العراقية المتنفذة، وأهمها كتائب حزب الله في العراق، وعصائب أهل الحق، وميليشيا النجباء، تمتلك أصولا اقتصادية وسيطرة على نشاطات تجارية مشبوهة وخارجة عن القانون.
وتدير الميليشيات أيضا نشاطا لتهريب البشر في مناطق غرب العراق مقابل أموال، كما إنها تهرب عوائل عناصر داعش من مخيمات سوريا إلى العراق مقابل مبالغ مالية.