جدد القلق الأميركي المتزايد من استخدام مليشيات موالية لإيران طائرات مسيرة في العراق، ضد أهداف أميركية، النقاش داخل الولايات المتحدة حول مستقبل الوجود العسكري في العراق.
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى تزايد المخاوف من شن المليشيات الموالية لإيران هجمات على أهداف أميركية باستخدام الطائرات المسيرة القادرة على التهرب من الأنظمة الدفاعية حول القواعد والمنشآت الأميركية بسبب تحليقها على ارتفاع منخفض للغاية، بحيث يتعذر على الأنظمة الدفاعية التقاطها.
وعقب تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن على استكمال الانسحاب العسكري الكامل من أفغانستان قبل حلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل، طرح بعض المعلقين الأميركيين أسئلة حول الانسحاب من العراق؟
انقسام أميركي
ووفقا لتقرير صادر عن صحيفة واشنطن بوست، فقد نفذت المليشيات المدعومة من إيران هجوما على مخازن سرية لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بالعراق قبل أسابيع، مما أثار حفيظة البيت الأبيض حيث انقسم مستشارو بايدن بين فريق يطالب بضرورة الرد العسكري، وآخر يفضل ضبط النفس.
وعلقت آنيل شلين، الباحثة المتخصصة في سياسة أميركا الخارجية تجاه منطقة الخليج، بمعهد كوينسي في واشنطن في تغريدة لها بالقول “يبدو أن الخيار الأفضل هو إخراج القوات الأميركية من العراق”.
Seems like the best option would be to get US troops out of Iraq https://t.co/fNzNq4r8IA
— Dr. Annelle Sheline (@AnnelleSheline) May 29, 2021
بدوره، اعتبر تشارلز دان المسؤول الاستخباراتي السابق، والباحث حاليا بمعهد الشرق الأوسط، أن هجمات الطائرات بدون طيار في العراق تشكل مصدر قلق تكتيكي متزايد للتحالف، إلا أنه لا يبدو أنها خلفت المزيد من الضغوط للانسحاب من العراق.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار دان إلى أن هناك ضغوطا حول كيفية التحقق من هذه الهجمات، وهناك مزيج من الردود السياسية أو العسكرية أو كليهما، وستكون ردودا ذات فعالية كبيرة.
وأشار إلى أن الإدارة الأميركية ستبحث مع الحكومة العراقية أخطار الطائرات المسيرة خلال الحوار الإستراتيجي بين البلدين. واستبعد دان أن يكون هناك أي تسرع في التصعيد، لا سيما فيما يتعلق بإيران، بهذه المرحلة.
وفي هذا السياق، اعتبرت خبيرة الشؤون الخليجية في معهد كوينسي بواشنطن أن زيادة أعمال العنف هي محاولة من الأطراف المختلفة لتعزيز موقعها التفاوضي.
أما ديفيد دي روش الخبير العسكري بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية، فرفض فرضية أن يكون لهذه الأنباء تأثير كبير على النقاش داخل الولايات المتحدة حول استمرار الوجود في العراق.
وقال الخبير العسكري للجزيرة نت إنه من المعروف منذ سنوات أن “طهران تمتلك قدرات متطورة في مجال الطائرات المسيرة، فليس من المستغرب أن يتم استخدام هذه القدرات ضد القوات الأميركية”.
وأضاف: عام 2019، حلقت المليشيات العراقية التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني بطائرات مسيرة فوق السفارة الأميركية في بغداد، وهذا معروف بين العسكريين الأميركيين ولم تغير الحادثة الأخيرة أي شيء.
مستقبل الوجود الأميركي
ويشير مشروع تكلفة الحرب بجامعة براون إلى أن تكلفة الوجود الأميركي المستمر في العراق منذ 2003 بلغت أكثر من 3 تريليونات دولار، وأكثر من 4 آلاف قتيل و20 ألف جريح.
ومنذ تعهد الرئيس السابق دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من حروب الشرق الأوسط التي لا تنتهي، لا يتوقف النقاش الداخلي الأميركي حول ما جنته الولايات المتحدة من البقاء العسكري بالعراق كل هذه السنوات.
وذكر دي روش للجزيرة نت أن قيم وأهداف غزو العراق غير واضحة في أحسن الأحوال، وسوف تظل محل جدل لعقود قادمة، ومع ذلك ومن حيث العواقب الجيو إستراتيجية، فقد أسفرت الحرب عن عواقب عميقة، ويبدو أن إيران هي المنتصر الوحيد.
وأضاف أن بغداد ظلت لسنوات طويلة مركز التوازن الإقليمي التقليدي المعادي لإيران، والآن يعاني العراق من الضعف، وفي أسوأ الأحوال لديه عناصر رئيسية في حكومته تعمل وكلاء للمصالح الإيرانية.
ومضى قائلا “ومع عدم وجود عراق قوي، انتشر نفوذ إيران المزعزع للاستقرار بسرعة إلى اليمن والبحرين وسوريا، فضلا عن مواقع أخرى”.
ويرى دي روش أن الوجود الأميركي الحالي بالعراق ليس الوجود الذي سعت إليه واشنطن، مشيرا إلى أن بلاده أكملت انسحابها من العراق عام 2011، لكنها اضطرت إلى العودة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
واعتبر أن الانسحاب الكامل للولايات المتحدة من العراق سيكون مصاحبا لشروط وظروف، على العكس من الانسحاب الأحادي الجانب الذي جرى عام 2011.
وشدد على أن معظم الأميركيين منهكون من تكلفة الحفاظ على وجود عسكري لا نهاية له في العراق، وهم حريصون على رؤية هذا الوجود منتهيا، إلا إذا كان ذلك يعني تسليم العراق إلى إيران.
من جانبه قال تشارلز دان للجزيرة نت “يمكن النظر إلى الوجود الأميركي في العراق باعتباره ميزة للولايات المتحدة من حيث الضغط على إيران، حيث إنه يوفر مستوى من النفوذ له قيمة في تشجيع السلطات العراقية على الوقوف في وجه طهران في بعض الأحيان، ويظهر التزاما سياسيا أميركيا بالعمل مع العراقيين”.