ستقوم شركة مستحضرات التجميل Estee Lauder – ولا أعرف كيف أنطق اسمها – بدفع 128$ ألف دولار لوكالة الفضاء الأميركية (NASA)، من أجل إرسال مستحضراتها وتصويرها لأغراض إعلانية من قبل رواد الفضاء في المحطة الفضائية الدولية (ISS). وقد صرح رئيس Estee Lauder أنهم يرغبون بأن يكونوا أول شركة تجميل تعلن في الفضاء.
أثار هذا الخبر فضولي قليلاً (وامتعاضي كثيرًا). فنحن نغرق في الإعلانات في كل مكان، من صفحات الإنترنت وحتى الشوارع، وصفحات المجلات.
لطالما كانت السماء والنجوم مهربًا لأعيننا، من هذا التلوث البصري، فهل تشكل هذه الخطوة بداية للنهاية؟
في ليلة جميلة…
تخيل معي أنها ليلة مقمرة، والجو جميل جدًا، وقررت أن تأخذ زوجتك في نزهة لطيفة (أو لعلها أجبرتك على ذلك). بعد أن تعثروا على المكان المناسب، وأثناء جلوسكما على أحد مقاعد الحديقة (أو المطعم)، تقرر أن تظهر لها جانبك الرومانسي (الذي اختفى من أيام الخطوبة). وبينما هي شاردة في أفكارها (أو في سناب شات) تحاول لفت انتباهها وتستحضر الجملة الشهيرة من أغنية سعد عبدالوهاب “وشك ولا القمر”. وحين تطالع القمر تجد “وش القمر” يظهر إعلاناً لحفاظات الأطفال.
قد تعتقد أن المشهد الذي تحدثت عنه هو مشهد من مسلسل خيالٍ علمي مبتذل، وقد تفاجئ بأن فكرة الإعلان في الفضاء سبق وأن طرحت من قبل عدة شركات.
محاولات إعلانية روسية، يابانية، أميركية
ففي 2019 أعلنت شركة StartRocket عن نيتها إطلاق لوحة إعلانية في سماء الأرض لتعرض لك إعلانات على شكل شعارات للشركات مثل كوكاكولا وماكدونالدز.
ستتكون هذه اللوحة الإعلانية من مجموعة من الأقمار الصناعية، ستستقر على ارتفاع 450 كيلومتر وتترتب على شكل شاشة عرضية،وستعرض مابين 3 إلى 4 رسائل وشعارات إعلانية يومياً حول العالم.
لحسن حظنا أن الشركة تلقت الكثير من الرسائل والنقد دفعها إلى إلغاء مخططاتها كليًا، ولكنني لا أعتقد أنها ستكون المرة الأخيرة التي تخطر فيها هذه الفكرة على بال أحد، وفي المرة القادمة قد لا يكون صاحب القرار متفهماً للدوافع الإنسانية (ربما لأنه سيكون من سكان المريخ).
وقبل المحاولة الروسية فكرت شركة ispace اليابانية أن تستفيد من عرباتها التي سترسلها إلى القمر من أجل الإعلانات ولكن بطريقة أقل “بشاعة”. فكرتهم تلخصت في بناء شاشة عرض أو لوحة إعلانات بسيطة مدمجة بالعربات الفضائية التي ستهبط على القمر ومن ثم يعرض إعلان الشركة على هذه اللوحة ويتم تصويره وإرساله للأرض، والفكرة هنا أن يستخدم الفضاء والأرض كخلفية للإعلان، لكن الشركة لم تقم بذلك حتى الآن.
أما المحاولة التي أدت إلى رد فعل قانوني فكان عندما أرادت شركة Space Marketing أن تقوم بإطلاق بالون إعلاني يحلق على ارتفاع يسمح لكل سكان العالم بمشاهدته، وكان من المخطط أن يستمر هذا البالون في الدوران لمدة 15 يوم قبل أن يهبط، ولم يستمر المخطط بسبب المخاطر التي حذر منها العلماء، والمشاكل التي كان سيتسبب بها، مثل التأثير على الأقمار الصناعية الأخرى.
هذه المحاولة دفعت الولايات المتحدة إلى استصدار قانون يمنع أن يتم الإعلان في الفضاء بأي شكل من الأشكال، ومنع استصدار أي رخص تتيح للشركات أن تعلن في الفضاء.
ولكن…
لو عدنا إلى خبر شركة StartRocket الروسية فحين قيل لمدير الشركة أن الإعلان في الفضاء مخالف للقانون، أجابهم بأن هذا القانون ينطبق على الشركات الأميركية فقط، وهنا تكمن المشكلة. بحسب معاهدة الأمم المتحدة لعام 1967 فإن أحد البنود توضح أن الفضاء ملكية مشاعة، ولا توجد سلطة لأي دولة كانت في الفضاء، ولا يحق لأي دولة أن تضع يدها وتعلن ملكيتها لأي كوكب، جرم إلخ إلخ.
تستطيع أي شركة في العالم أن تستكمل التجربة التي تود الشركة الروسية القيام بها، ولن تواجه أي مشاكل قانونية – إلا في بلدها بالطبع – ولعلنا لن نتقبل فكرة الإعلانات في الفضاء ولكن حين تتحول أعين الناس إلى الفضاء بكثرة، وتكثر الرحلات السياحية من الأرض إلى القمر والمريخ، فتوقع أن تشاهد إعلان “بقلاوة فيچا الكبير” أثناء رحلتك إلى المستعمرة 83 على المريخ.